بحثاً عن العقل الواعي : الصراع الإيراني الإسرائيلي.. ساحة معركة لتغيير وجه الشرق الأوسط
*#الصراع الإيراني الإسرائيلي.. ساحة معركة لتغيير وجه الشرق الأوسط#* *#بقلم: منير معاوية علي - باحث في العلاقات الدولية#* *#خارطة النار تُرسم بحبر المصالح ونيران الهيمنة.#* في العام 2002 وتحت قبة الكونغرس الأمريكي، أطلق بنيامين نتنياهو تصريحاً كان له صدى في الساحة السياسية حيث قال: (إيران ، العراق ، وليبيا يجب أن تزال من الطريق) ، لا لأنهم يشكلون تهديداً وجودياً مباشراً لإسرائيل، بل لأنهم يشكلون عقبة أمام تحقيق مشروع إسرائيل الإستراتيجي الأكبر ،ألا وهو إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتوافق مع الأجندة الأمنية الإسرائيلية الشاملة. في هذا التصريح تكمن بذرة فهم الصراع الإيراني الإسرائيلي ، وهو ليس مجرد صراع عسكري تقليدي بل هو صراع متعدد الأبعاد ، يتداخل فيه الأمن والسياسة و الثقافة. ومن العام 2002 إلى العام 2025 , 23 سنة حدثت فيها تغييرات كبيرة في المشهد السياسي في الشرق الأوسط ، و في أحد أكثر التصريحات صراحةً ووضوحًا، قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل عدة أيام: "نعمل على إعادة تشكيل الشرق الأوسط." لم يكن هذا التصريح مجرد شعارات دعائية، بل يحمل بين طياته استراتيجية عميقة تعكس الطموحات الإسرائيلية لتفكيك منظومة الدول العربية والإقليمية التي ما زالت تملك إرادة الرفض أو مقاومة الهيمنة ، وعندما نربط هذا التصريح بتصريحاته قبل 23 سنة المذكورة آنفاً يمكننا أن نفهم أبعاد المخطط الإستراتيجي الإسرائيلي. ويُعد الصراع بين إيران وإسرائيل أحد أبرز وجوه هذه الاستراتيجية، لكنه ليس وجهها الوحيد؛ بل هو قمة جبل الجليد في مشروع إقليمي واسع، تسعى إسرائيل من خلاله إلى فرض تصورها الخاص "للأمن الإقليمي" القائم على تفوقها المطلق وتفكيك أي تهديد محتمل، سياسيًا كان أو عسكريًا أو حتى رمزيًا. *#من تحالف إلى عداء: جذور الصراع#* قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت طهران وتل أبيب حليفتين. لكن هذا التحالف سرعان ما تحول إلى عداء وجودي مع صعود الجمهورية الإسلامية. منذ ذلك الحين، تبنّت إيران خطابًا معاديًا لإسرائيل، ودعمت حركات المقاومة، وعلى رأسها "حزب الله" في لبنان و"حماس" في فلسطين، وهو ما شكّل تحديًا مباشرًا للرؤية الإسرائيلية للمنطقة. لكن التهديد الإيراني – في نظر إسرائيل – لم يكن فقط عسكريًا أو نوويًا، بل أيديولوجيًا وفكريًا أيضًا. فإيران تُعتبر واحدة من الدول القليلة التي ترفض علنًا مفاهيم "السلام الإسرائيلي" المدعوم غربيًا، وتدافع عن حق المقاومة، وهو ما جعلها هدفًا ثابتًا في الخطاب الأمني والسياسي الإسرائيلي. *#ليس صراعًا ثنائيًا… بل مشروع إقليمي#* القراءة المتعمقة للصراع تكشف أن الهدف الإسرائيلي لا يقتصر على إيران وحدها. فخلف الستار، تتبنى إسرائيل سياسة أكثر شمولًا تهدف إلى تفكيك كل دولة أو كيان إقليمي يمتلك طموحًا للاستقلال أو يحمل مشروعًا سياسيًا مناهضًا للهيمنة. *العراق:* لعب نتنياهو دورًا محوريًا في الترويج لغزو العراق عام 2003، بدعوى امتلاك "أسلحة دمار شامل"، وهي كذبة كشفتها الوقائع لاحقًا. الهدف الحقيقي كان واضحًا: تدمير دولة مركزية ذات تاريخ قومي قوي ونفوذ إقليمي. *ليبيا:* سقطت ليبيا في الفوضى بعد 2011، لتتحول إلى دولة مشلولة عاجزة عن لعب أي دور عربي أو إفريقي مؤثر، وهي نتيجة خدمت الأجندة الإسرائيلية في شرق المتوسط وشمال إفريقيا. *السودان:* قصة السودان مع إسرائيل أكثر تعقيدًا، وتكشف بوضوح حجم التدخل الإسرائيلي في الشأن الداخلي للدول العربية. دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب قبل الانفصال كان أحد أوضح أشكال هذا التدخل، إذ قدمت إسرائيل دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا للحركة، بهدف تقسيم السودان وإضعافه كقوة موحدة في شمال إفريقيا. دعمها لحركة عبدالواحد محمد نور في دارفور يُضاف إلى هذا السياق، إذ أن الفوضى في غرب السودان تسهم في استنزاف موارد الدولة المركزية، وتفتح الباب أمام مزيد من التغلغل الخارجي. الضربات الإسرائيلية على السودان، والتي استهدفت مصانع ومواقع يُشتبه بأنها تستخدم في تهريب السلاح، كانت تُبرر دائمًا بوجود دعم سوداني لحركة "حماس". لكن القراءة السياسية تشير إلى هدف أوسع: جعل السودان في حالة عدم استقرار دائم، حتى لا يتحول إلى نموذج عربي إفريقي مستقل يهدد التوازنات التي تسعى إسرائيل للحفاظ عليها. *#التطبيع كأداة للهيمنة#* ما يُسمى بـ"اتفاقات أبراهام" ليست سوى فصل جديد في هذا المشروع. إذ لم تكن مجرد اتفاقات سلام، بل عملية ضم سياسي ناعمة تُلزم الدول المطبعة بالسير في فلك المشروع الإسرائيلي، مقابل وعود استثمارية ودعم أمني. الدول التي رفضت هذا المسار، كإيران وسوريا وحتى الجزائر، تجد نفسها تحت ضغط مستمر: اقتصادي، إعلامي، وأحيانًا عسكري. هذا النهج يؤكد أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى وقف العداء، بل إلى السيطرة الكاملة على المشهد السياسي في المنطقة. *#الرمز والواقع: فلسطين في قلب المعركة#* رغم أن العنوان الأكبر لهذا الصراع هو الأمن، إلا أن الجذر الحقيقي له يظل القضية الفلسطينية. فكل سياسات الهيمنة والعداء الموجهة ضد الدول الرافضة للتطبيع، تأتي في سياق تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية تحرر إلى قضية "معونات وتحسينات معيشية". إيران، بحكم تبنيها العلني والدائم لخطاب المقاومة، تُعد العائق الرمزي الأكبر أمام هذا المسار. لكن الأهداف تشمل أيضًا كل دولة تُبدي موقفًا مشابهًا. *#الوعي العربي… ركيزة الاستقلال#* لن يُكتب لأي مشروع مقاوم النجاح دون وعي شعبي وجمعي بحقيقة ما يجري. الصراع الإيراني الإسرائيلي ليس شأنًا خاصًا، بل هو عنوان لصراع أوسع بين مشروع استقلالي عربي، ومشروع صهيوني توسعي يجد دعمًا غربيًا شاملًا. إذا لم تدرك الشعوب العربية – وخاصة في دول مثل السودان، ومصر ، والعراق، ولبنان، وسوريا – حجم التلاعب بمصيرها تحت مسمى "محاربة الإرهاب" أو "نزع السلاح النووي"، فإن مسلسل التفكيك سيستمر، وستتكرس الهيمنة كأمر واقع. *#إسرائيل لا تخاف من إيران كقوة عسكرية فقط*، بل تخشاها كرمزٍ للمقاومة وعدم الخضوع. ومثلها، تخشى من السودان كدولة غنية بالموارد، تمتلك موقعًا استراتيجيًا فريدًا، وكان يمكن أن يصبح قاطرة للاستقلال الإفريقي العربي لولا التآمر الخارجي فالسودان بلد غني بمورده البشري وثرواته الطبيعية وأراضيه الصالحة للزراعة وثروته الحيوانية والسمكية وتنوع مناخه من ما يؤهله ليصبح دولة عظمى ذات وزن وكلمة في العالم , ومن هذا المنطلق يتم تفسير الإستهداف على مر التاريخ الحديث. ما يسعى إليه أصحاب المشروع الصهيوني ليس أمن إسرائيل كدولة، بل أمن مشروعها القائم على التفكيك والسيطرة وإعادة رسم خرائط المنطقة على مقاس الهيمنة. أما نحن، فما نسعى إليه ليس إزالة أحد، بل تحرير الإرادة… وبناء وطن عربي وإسلامي حر، قوي، موحد، يقود ولا يُقاد. وفلسطين، ستظل في القلب .. حرة، وعصية على التصفية وعاصمتها القدس الشريف.
6/21/20251 min read

