الإسلام والسلام

السلام هو إسم من أسماء الله الحسنى، وقد كثر إستخدام مصطلح السلام للدلالة على حالة التصافي والهدوء والسكينة وغياب الإضطرابات العنيفة ، ونجد أن مصطلح السلام يرتبط ذكره في غالب الأحيان مع الحرب فعندما تندلع الحروب ينشد الناس السلام ويتمنون أن يعودوا إلى حالة التوافق والإنسجام والسكينة ويبتعدوا عن حالة العنف والدمار. لقد أمر الله تعالى بمبدأ السلام في الدين الإسلامي وجعله من أهم الأساسيات التي تحتل مرتبة عليا في الإسلام قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)) (208){البقرة} ، ((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (61){الأنفال} ، فالأصل في حالة الإنسان السلام وهو مايتطابق ويتلازم مع الإسلام. لايتحقق السلام إلا بالعدل ، والعدل لن يتحقق بتاتاً في ظل وجود أنظمة ظالمة تتسيد العالم فهي بذلك تخالف فطرة الإنسان فالعدالة هي الحالة الطبيعية للحياة وبفقدها يتلاشى الإستقرار ويعم الدمار. حالة غياب العدل فرضتها الأنظمة القوية المستبدة التي ترى أن العدالة هي تحقيق مصالحها فقط. لذلك وجب على من ينشد العدالة أن يكون قوياً فالسلام العادل يحققه الأقوياء ذوي الأخلاق العادلة وهنا نجد أن الإسلام دعى لإكتساب القوة من أجل بسط السلام وللمحافظة عليه قال تعالى ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)) (60){الأنفال} . الإسلام أمر بالسعي للسلام ومن دلائل ذلك حِرص النبي محمد عليه الصلاة والسلام على إبرام معاهدات السلام فقد عقد عدداً من العهود كان أبرزها مع (يهود المدينة ، صلح الحديبية مع قريش ، أهل خيبر ، نصارى نجران) وكل هذه العهود هدفها السلام. من أساسيات السلام عدم التفرقة والتعنصر لأي سبب من الأسباب (الدين ، العرق ، إلخ) فقد أمر الإسلام بالتعامل على أساس الوحدة لا الفرقة ودعى الإسلام إلى إقامة الفطرة وسلطان العقل . قال تعالى [ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)] {الممتحنة} [وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(46)]{العنكبوت}. نخلص إلى أن الإسلام هو دين السلام وكل الآيات القرآنية التي تتحدث عن القتال تتحدث عنه بصيغة دفاعية قال تعالى [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)]{الحج} ، هذه الآية هي أول آية نزلت في الجهاد وتدل على مبدء الدفاع. التسامح والعفو من تعاليم الدين الإسلامي التي تدعم السلام ومن أبرز دلائلها فعل النبي محمد عليه الصلاة والسلام عند فتح مكة (إنظر مقال فتح مكة إنتصار ووعي). لا يمكن لدين بهذه التعاليم الربانية أن يدعو للحرب مطلقاً إلا في حالة الدفاع ونقض العهود والمواثيق، إن تهمة الإرهاب التي أُلصقت زورا وبهتاناً في الإسلام هو منها براء فالإسلام يدعو للسلام والتسامح والعدل والإخاء . الفهم الصحيح للإسلام يؤدي إلى التطبيق الصحيح ، وأفعال البعض لا يمكن أن تعمم على الكل بأي حال من الأحوال ، لذلك لابد أن يكون العقل حاضراً متفكراً مُقَيماً ومنصفاً وعلى كل واحدٍ منا أن يقييم هو بنفسه علينا أن لانسمح لأحدٍ أن يقرر نيابةً عنا أو أن يسلب منا حق التفكر والتبصر وإتخاذ القرار والرأي المناسب الناتج عن البحث عن الحقيقة. ✒ منير معاوية باحث في العلاقات الدولية الخرطوم 17 إكتوبر 2019